'قصة أغرب من الخيال

'قصة أغرب من الخيال


أعزائي أعضاء منتدانا الحبيب هذي قصه أو مذكرات اقرب إلى الخيال منها إلى الواقع يرويها صاحب القصة (باحث عن الحقيقه)اخترتها لكم من إحدى المنتديات وإن شالله ما يزعل مني صاحب القصة
بداية لابد منها

كتابة مذكراتي خطوة صعبة ترددت قبل أن أقدم عليها .. فانا اعلم جيدا أن مذكراتي لن تكون شيئا راقيا كمذكرات ( مالكولم اكس ) المناضل الأمريكي المسلم .. أو ( نابليون ) .. أو غيرهما من العظماء حيث تشكل الحوادث الصغيرة في حياتهم تاريخا حقيقيا تسترشد به البشرية ..
إذا ما الذي يجعلني أقدم على هذه الخطوة ؟! ...
يقال انه لا احد يولد أديبا .. ومن يصبح أديبا يكون قد قرأ أطنان من الكتب حتى أصبح لدية فكرا مستقلا يشعر بأمس الحاجة أن يشاطر به الناس ...
أو قد عاش تجارب قاسية جدا ورأى من الأهوال ما رأى حتى أصبح من الضروري أن يكتب عنها وإلا أحرقت محركات روحة !! ..
واعتقد أنني اتبع النوع الثاني من الأدباء .. فقد مررت بتجارب وأهوال لا يصدقها عقل ستسبب لك عزيزي القارئ صدمات متلاحقة وستحبس أنفاسك كما حبست أنفاسي .. ستجعلك في نهاية الأمر في حالة ذهول شديد كون أن كل هذه الأحداث قد جرت في ( الكويت ) ولي أنا على وجه التحديد .. والأهوال التي رايتها لم تكن من طراز زوجة أب قاسية أسرفت في تعذيبي .. أو تعاطي المخدرات أو .. الخ .. من القصص التي قتلتها الأفلام والمسلسلات العربية قتلا .
الغريب إنني عشت طوال سنوات عمري أيام هادئة جدا لم يكن فيها ما يستحق الذكر وحتى بلوغي سن السادسة عشر .. ولكن بعد ذلك بدأت حياتي تتخذ منحنى أخر بسرعة رهيبة لأرى ما لم يره شيخ تجاوز المائة !!
يجب أن أعرفكم على نفسي .. اسمي ( خالد ) ابلغ التاسعة عشر من العمر لحظة كتابة هذه السطور .. أعيش مع أحب وأطيب امرأة عرفتها في حياتي والتي بذلت الغالي والنفيس من اجلي .. جدتي الحبيبة ( فاطمه ) واعتقد أن كل الجدات الطيبات يحملن هذا الاسم .. وهي بالمناسبة امرأة مسالمة وديعة طيبة القلب ترتدي غطاء الرأس الأبيض المزركش الشهير الذي تشتهر به الجدات في ( الكويت ) ولها ضحكة فاتنة حتى لتتمنى أن تريح رأسك على ركبتها وتقول لها ( يما ) باللهجة الكويتية طبعا .. وعلى الرغم من سنوات عمرها التي تجاوزت الستين وتجاعيد وجهها إلا أنها ولله الحمد بصحة جيدة ..
والواقع إن جدتي هي كل ما تبقى لي من عائلتي .. فقد توفي والدي قبل أن أولد لسبب ستعرفونه لا حقا .. وتوفيت بعده أمي في حادث سير بعد ولادتي بشهرين تقريبا !!
لتتولى جدتي الحبيبة رعايتي وتربيتي لذا فانا أدين لها بكل شيء .
أما عن حالتنا المادية فلا بأس بها على الإطلاق .. إذ نملك عمارة سكنية اشتراها أبي لجدتي قبل وفاته لحسن الحظ ونعيش من دخلها الشهري .. ولأنني كل ما تبقى لجدتي الحبيبة .. فهي لم تقصر معي أبدا .. إذ الحقتني بأحد أفضل وارقى المدارس الخاصة في ( الكويت ) كي احصل على أفضل مستوى تعليمي .. ولم أكن أخيب أملها بعد كل هذا فكنت طالبا متفوقا لامعا وتوضع صورتي في لوحة الشرف بشكل دائم .. وكثير ما سمعت أساتذتي يقولون بأنني نابغة .. وعبقري .. و .. الخ .. ليس هذا غرور بل هو رأي أساتذتي بي .. وبالطبع فان هذا قد أدى إلى تخرجي من المرحلة الثانوية بمعدل مرتفع للغاية أهلني للالتحاق بكلية الطب في جامعة الكويت مع بداية العام الدراسي القادم بأذن الله .
أما عن صفاتي الشخصية .. فلك أن تعرف عزيزي القارئ إنني قصير القامة نسبيا .. هزيل البنية .. ملامحي عادية جدا لا يوجد ما يميزها أو يجعلك تنفر منها .. ولولا بعض التحفظ لقلت إنني اقرب إلى القبح من الجمال ... أنا قارئ من الطراز الأول .. اقرأ كل شيء تقريبا .. ومثقف إلى درجة تثير كل من يتحدث معي .
وأما عن شخصيتي فإنني إنسان هادئ الطباع املك عالما ذاتيا ثريا .. ومرهف الحس إلى أقصى درجة .. وقد علمتني القراءة المستمرة حب الهدوء المتواضع وجعلتني أعيش صراعا رهيبا بين ما يريده المجتمع للشباب من ثرثرة فارغة وسوقية وضحالة فكر .. وبين ما ارسمه لنفسي
كانسان مثقف متزن احلم بالحصول على شهادة علمية عليا .. هذا الصراع بالغربة جعلاني شخصا انطوائيا مكتئبا متشائما .. لست إنسانا تعيسا إلى الحد الذي قد تضنونه .. ولمنني قطعا لست إنسانا سعيدا ..
اشعر أن لي في هذا العالم وجود جغرافي فحسب .. وليس لي وجود نفسي أو معنوي .. تماما كما يحدث عندما تذهب إلى مطعم وحيدا .. الناس معك لكنك لست واحد منهم .. فالبرد يطل من كل ركن من حياتي .. لأنها حياة بلا أهل سوى جدتي وبلا صديق حميم أثق به واسلم له رقبتي دون تردد ..
نسيت أن أخبركم إنني اسكن منطقة ( الرميثية ) .. أول حب في حياتي .. فهي المنطقة التي عشت بها منذ ولادتي واعرفها عن ظهر قلب وكل جزء منها له عبق الماضي الجميل وان لم أعشه قبل أن يصبح العالم قاس ومرعب كما هو عليه ألان من انتشار الجرائم وارتفاع معدل البطالة وانتشار المخدرات .. وأعيش حاليا في حي هادئ جدا كحال معظم أحياء ( الرميثية ) وعلاقتنا مع جيراننا لا تتعدى إلقاء التحية في الصباح من زحمة الحياة وضغوط العمل والدراسة .
تسألوني عن أقاربنا ؟! .. أقول :
إنهم قليلين جدا وعلاقتنا معهم مقطوعة تماما لأسباب سأذكرها لاحقا .. في حين يوجد لجدتي أقارب في دولة ( الإمارات ) تزورهم بين الحين والأخر وتقضي معهم فترة لا تتجاوز في اغلب الأحيان الأسبوعين .
أما بالنسبة لطموحاتي وأحلامي فهي كثيرة .. احلم أن أكون مليونيرا .. وان أتزوج فتاة أسطورية وان أرى العالم وأجيد عدة لغات وأكون طبيبا .. واحلم بالهروب .. الهروب من الحياة الروتينية المملة .. والهروب من الأيام التي تكرر نفسها .. الهروب من المحبطات التي تلف حولي وتكاد أن تخنقني .. الهروب إلى عالم جديد وحياة جديدة .فانا لم أجد ذاتي في هذا العالم القاسي أريد البحث عنه في علم أخر .
لا ادري جدوى التعبير عن مشاعري بهذه الدقة بالنسبة لكم .. لكني اشعر أن هذا سيغير الجو المحيط بي كاملا وتجعلكم تروني بدلا من أن تسمعوني فحسب ...
ارجوا ألا تكونوا قد مللتم من هذه المقدمة .
سأبدا ألان بسرد مذكراتي بأحداثها الغريبة المثيرة ومواقفها المدهشة الرهيبة حتى إنني أتساءل وأنا أخطها إليكم إن كانت قابلة للتصديق أم لا .. ولكني سأرويها .. ويبقى التصديق أو عدمه خيار لكم انتم ..




قشعريرة ...



سأحكي لكم قصتي الأولى .. وهي رهيبة غريبة مقبضه كابوسيه بكل المقاييس .. وستحبس أنفاسكم حتى أخر كلمة فيها .. وليس لي فضل في ذلك .. بل هو حظي الذي أوقعني بتجربة شنيعة غيرت تضاريس روحي ..
أنصحكم بقراءة هذه القصة ليلا .. فهي تحتاج إلى سعة صدر وهدوء .. كما أن لها طابعا باردا قاتما يجعل من قراءتها ليلا أفضل بكثير .. حيث تتجسد الخيالات .. وتزداد لذة القراءة ومتعة الإثارة ..
بدأ كل شيء في عطلة منتصف العام الدراسي .. أو عطلة الربيع كما نطلق عليها في الكويت عام 2002 بعد نهاية اختبارات الفصل الدراسي الأول للصف الثالث الثانوي وحصولي ولله الحمد على درجات نهائية تقريبا ..
قابلته في جمعية الرميثيه .. شخصا ممتلئ الجسم له ملامح طفولية يرتدي قميصا واسعا وبنطلون جينز .. سد أمامي الطريق ورسم على وجهه ابتسامة ود .. فرفعت عيني نحوه متسائلا عما يريد ثم تأملته للحظة .. وبدأت أتذكر ..
س .. (سعد) ؟ ... الست ( سعد ) .. زميلي في الصف الثاني متوسط ؟ ..
(خالد)... أخيرا تذكرتني يا رجل...
لقد كان هذا الفتى في المرحلة المتوسطة اقرب زملائي إلى قلبي .. فقد كان يجلس بجانبي في الفصل لسنتين متتاليتين .. وهو إنسان طيب القلب وساذج إلى حد كبير لا يوصف , حتى لو انك وصفت له صراعك مع ديناصور وقتلته لصدق كل حرف من كلامك دون تفكير ..
وبدأ كل منا يروي ماحدث له بالسنوات الخمس التي تلت .. فقد انتقل ( سعد ) منذ الصف الثالث متوسط إلى إحدى المدارس الحكومية .. وكان سبب انتقاله هو عدم قدرة والدة على دفع مصاريف المدرسة الباهظة في المدارس الخاصة .. ولم يفتني بالطبع أن اسأله عن الفارق الشاسع بكل تأكيد الذي وجدة بين التعليم في القطاع الخاص والحكومي ..
فرد بحسرة :
انك تثير شجوني يا خالد .. المدارس الحكومية مخجله .. مخجلة بشكل لا تتصوره .. بدءا من عدد الطلبة الكبير في الفصل الواحد وانتهاء بالمستوى العلمي لشريحة كبيرة من المدرسين مع الأسف ..
ثم قال مازحا محاولا تغير دفة الحديث :
لا شك إننا المخبولان الوحيدان اللذان سيقضيان العطلة في ( الكويت ) .. بدلا من السفر أو الذهاب إلى البر في اسوأ الأحوال .
قلت مبتسما :
في الواقع إن الجو في هذا الوقت جيد لا يشجع على السفر .. كما إنني لا أحب التخييم في البر .. واجد الذهاب إلى السينما أو البقاء في البيت للقراءة ومشاهدة التلفاز أكثر متعه.
قال بلهفة :
إذن لماذا لا نلتقي ؟ .. هناك الكثير من الأمور التي من الممكن إن نفعلها لقتل وقت الفراغ .. إليك رقم هاتفي ..
وقلت وقد شعرت إنني قد وقعت في مأزق :
ي .. يشرفني هذا ..
فالواقع إنني لم أكن ارغب في هذا إطلاقا .. نعم .. أنا ارتاح لهذا الفتى ولكن ليس إلى درجة إن التقي به واقضي معه بعض أوقات الفراغ .. لكني .. ومع حماسه ولهفته .. لم أكن املك الرفض !!
كتب لي رقم هاتفة المحمول وكتبت له بالمقابل رقم المنزل .. لأنني لا املك هاتفا محمولا ولا احتاج واحدا أصلا ..
وهذه هي الحقيقة على الرغم انه من النادر إن تجد شخصا في مثل عمري في ( الكويت ) لا يملك هاتفا محمولا ..
تبادلنا أرقام الهواتف .. ووعدني بالاتصال بي قريبا لزيارتي في المنزل أو للخروج معا .
زارني سعد بالفعل أكثر من مرة وقضينا اوقاتا لا باس بها عندي في المنزل .. وبيتنا بالمناسبة عادي جدا لا يوجد ما يميزه يتكون من طابقين كشأن البيوت القديمة والحديثة في ( الكويت ) .. كنا أنا وسعد نسهر معا في غرفتي لغاية منتصف الليل خاصة إن جدتي كانت قد سافرت لزيارة أقاربها في دولة ( الإمارات ) .
قشعريرة ( 2 )



الحقيقة إن ( سعد ) فتى سعيد لا توجد لديه مشاكل .. وهو إنسان عادي جدا لا يوجد ما يقال بشأنه ينام ويأكل ويشرب جيدا .. ويذهب إلى السينما ويستمع إلى الأغاني .. إلا انه شديد السذاجة والبساطة كما أخبرتكم .. كما انه ثرثار لدرجة تثير غيظي أحيانا .. فهو لا يسمح لي بان افتح فمي لأقول شيئا واحدا وأفكاره سطحية جدا .. لماذا أتحملة ؟ ..
لأنني بين ناريين .. نار الوحدة .. ونار ثرثرته .. نعم أحب الوحدة واخترتها لنفسي كما أخبرتكم بالبداية .. لكنني أولا وأخيرا بشر واحتاج في بعض الأوقات إن أكون برفقة احد ..
كان في كل مرة يحضر شيئا من منزلة لمشاركة فيها .. احضر في احد المرات واحدة من العاب الفيديو .. وفي يوم أخر احضر شريطا لأحد الأفلام الأجنبيه لنشاهدها معا ... وهكذا ..
وقد كنت متحفظا جدا في حديثي معه .. كعادتي مع الناس .. ولم اكشف له أي جانب من حياتي الخاصة فلم يكن يعرف عني شيئا سوى إنني يتيم الأبوين ..
لم يتغير شيء ولم يحدث أي جديد إلا بعد خمسة أيام من زيارات سعد المتكررة لي .. وكان ذلك عندما زارني وهو يحمل علبة كبيرة الحجم لم اعرف كنهها .. تبادلنا التحية ودعوته للدخول
ما هذا الذي تحمله بيدك ؟
قال بابتسامه عريضة :
إنها لعبة اشتريتها من ( اسكتلندا ) منذ قرابة العامين .. وأردت أن نلعبها معا .. فانا لم المسها قط .
وماهي تلك اللعبة ؟
إنها لوحة اويجا ..
ولوحة اويجا هذه إن كنت لا تعلم عزيزي القارئ .. هي واحدة من الألعاب التي يقال إنها تستخدم للاتصال بالأرواح لسؤالها اسئلة أخرى تتعلق بالموتى .. والواقع إنني لم أرى هذه اللعبة من قبل لكني قرأت عنها في بعض الكتب .. تلك اللعبة التي تحتوي على لوحة مسطرة عليها جميع الأحرف الأبجدية والأرقام ( 0- 9) .. وثمة كوب مقلوب نضع أصابعنا عليه لتقوم الروح التي طلبناها بواسطة تعاويذ معينه ... بالإجابة على أسئلتنا من خلال تحريك الكوب ناحية الأحرف لتكون كلمات تكون هي الإجابة على الأسئلة !!
ولكن ما كان يميز هذه اللعبة بالذات هو إنها فاخرة الصنع بشكل ملحوظ .. حيث كانت مصنوعة من الخشب الفاخر ثقيل الوزن بما يشي بقيمتها المادية العالية !!
قلت بانبهار :
ولكن اللعبة تبدو فاخرة جدا !! كم دفعت ثمنا لها ؟!
قال ببساطة :
لقد دفعت فيها ما يعادل ثلاثمائة دينار هي كل مدخراتي .
صحت قائلا بدهشة :
ولماذا ؟؟!
لقد أغرتني كثيرا وأحببت إن اقتنيها .. لقد قلت بنفسك للتو إنها تبدو فاخرة الصنع بشكل واضح .
كما أنها تبدو لي بالغة القدم .. وتذكرني نوعا ما بتلك اللعبة الخيالية ( جومانجي ) ( jumanji )
في الفيلم الشهير الذي يحمل نفس اسمها .. لقد ابتعتها من احد الباعة المتجولين في ( اسكتلندا )
سألته ودهشتي لم تزول بعد :
الم تجد أي شئ غريب في هذا ؟!
قال في غباء وهو يمط شفتيه :
وما الغريب في الأمر ؟!
من أين تظن لبائع متجول كما تقول بلعبة ثمينة كهذه ؟! ..
الحقيقة إنني لم أفكر بذلك ..
لو أردت رأيي فهذه اللعبة أثمن بكثير من المبلغ الذي دفعته للحصول عليها .. ويظهر إن هذا البائع المتجول قد سرقها من مكان مجهول وباعها إليك ظنا منه انه قد خدعك .. في حين انك أنت الذي خدعة دون إن تقصد .. واشتريتها بثمن بخس كون اللعبة تحفة أثرية ثمنها من المؤكد اكبر بكثير من مجرد ثلاثمائة دينار .
سكت قليلا .. ولم يرد على كلامي ثم قال بحماس مفاجئ :
المهم إنني قد اشتريتها ألان .. هه ؟ .. هل تريد إن نجربها ؟ ..
وهل تصدق هذا الهراء ؟ ..
ضحك سعد ضحكة قصيرة .. وقال :
فلنجرب اللعبة .. ولنر إن كان ما يقال حولها صحيحا .. فانا اشتريتها وأخفيتها في غرفتي خوفا من إن يكتشف والدي إنني قد أنفقت مدخراتي كلها على لعبة كهذه .. خطرت في بالي في الأمس فقط .. الأمر الذي أغراني كي احضرها إليك ونلعبها سويا .. هه .. ماذا قلت ؟؟
رفضت بالبداية .. إلا إنني وبعد الحاحة وافقت .. وافقت فقط كي أسكته !! .. كما إنني لم أجد سببا لرفضي لأنني لا اصدق تلك التفا هات .. أصلا
وقد كنت أحمقا !! .. إذ لم أكن أتوقع إن أبواب الجحيم ستنفتح على مصراعيها ..
المهم قمت بإطفاء النور وإضاءة مصباح احمر صغير بناء على طلب سعد لان الضوء الأحمر يعطي جوا للعبة على حد قولة .. إلا إن الجو الذي أعطاه هذا المصباح كان كريها خانقا وكأننا متنا وذهبنا إلى الجحيم حيث تمرح الشياطين حولنا ..
جلسنا بجانب بعضنا البعض .. وبدأ سعد بقراءة بعض التعاويذ الغريبة المكتوبة على جانب اللعبة باللغة الانجليزية بصوت حاول إن يجعله مخيفا .. ثم قال :
خالد .. سيضع كل منا إصبعا على قاعدة الكوب .. ومن المفترض إن نشعر بالكوب وهو يتحرك .. لا تقاومه .. أتركة يذهب إلى الحروف التي ستشكل كلمات ما .. والتي ستكون الإجابة عن أسألتنا للأرواح .. وهكذا ..
هنا تذكرت شيئا :
روح من نطلب ؟ ..
آه فعلا .. لقد نسيت .. من هي الروح التي تود استحضارها ؟ ..
قلت له بلا مبالاة :
من هي الشخصية التي تشعر أنها ماتت تاركة ورائها الكثير من الإلغاز والتساؤلات ؟! .. إذ ليس هناك أي حكمة من تحضير روح شخصية عادية ..
وبدا بحماس يذكر أسماء أشهر الموتى إلا إن استقر بنا الرأي أخيرا على تحضير روح ( الحاكم بأمر الله ) .. الحاكم الفاطمي الذي يعتبر المؤرخون اختفائه لغز من الغاز التاريخ .
حسنا لنبدأ ..
قرأ سعد مرة أخرى وطلبنا روح ( الحاكم بأمر الله ) .. وجلسنا ننتظر .. ولكن الكوب لم يتحرك إطلاقا .. وانتظرنا مزيدا من الوقت دون جدوى .. وطلبنا أرواح موتى آخرين وآخرين .. ولا نتيجة على الإطلاق !! .. حتى أصابني الملل .. كانت التجربة فاشلة تماما كما هو واضح .. وقلت له وأنا في طريقي لإضاءة الصالة من الضوء الأحمر المقيت :
يظهر إن ثمن لوحة ( اويجا ) الباهظ كان في جودة صناعتها وقدمها ولا شيء غير ذلك .
قال متظاهرا باللامبالاة وان كانت خيبة الأمل واضحة على ملامحه :
ومن قال إنني كنت أتوقع إن يحدث شيئا أصلا .. لقد اشتريت اللعبة للسبب الذي ذكرته لك ولاشيء غير ذلك .
كان العشاء كبابا ساخنا طلبته جاهزا من احد المطاعم .. وكان هذا كافيا لتكون هذه اللعبة في غياهب النسيان .
جلسنا نتناول العشاء في غرفتي وتحدثنا بعدها في أمور أخرى وأخرى ..
لقد تأخر الوقت على الاستيقاظ مبكرا غدا للذهاب مع والدتي إلى سوق الخضار .
قالها وهو يتثاءب كفرس النهر .. ونهض بتكاسل ..
فصحبته إلى الباب مودعا بفتور :
أراك لاحقا ..
لقد بدأت أمل صحبة هذا الفتى حقا .. فهو لا يكف عن الاتصال بي حتى حرمني تماما من الوحدة التي أحبها كثيرا ... نعم – وكما ذكرت لكم – احتاج إلى الصحبة الآدمية أحيانا ... ولكن ليس إلى هذه الدرجة .. سأبدأ شيئا فشيئا بالتنصل منه وتقليل اتصالاتي معه ..
كنت غارقا في هذه الخواطر وأنا أقوم بتنظيف غرفة نومي من بقايا العشاء .. نظرة سريعة إلى صالة المنزل من خلال باب غرفتي المفتوح .. مهلا .. رأيت شيئا غير عادي قطع علي حبل أفكاري !! لقد نسي ( سعد ) لعبته عندي حيث تركناها في الصالة وليس هذا هو الغريب في الأمر ..
هل أنا واهم ؟! .. لا .. أنا لا أتخيل شيئا .. عندما تركنا اللعبة كان الكوب الذي استخدمناه في وضع مقلوب .. ولم يحركه احد بعدها .. بل ولم نقترب من اللعبة إطلاقا منذ تركناها .. أنا واثق من ذلك .. فكيف ؟! ..
لم أكمل عبارتي فقد هرعت إلى الهاتف لأطلب رقم سعد :

قشعريرة ( 3 )
الو .. سعد ؟!
نعم ؟
هل كان كوب لعبة ( اويجا ) في وضع مقلوب حين تركناها ؟!
قال بحيرة :
بالطبع لا اذكر ... لماذا تسأل ؟؟
قلت له بشيء من التوتر :
لقد نسيت لعبتك عندي في صالة المنزل ..
والغريب إنني وجدت الكوب في وضع معتدل وفوهته إلى أعلى !!
تساءل بغباء أثار أعصابي :
وماذا في هذا ؟!
قلت له بعصبية :
الاتفهم ؟؟ .. لقد تركنا اللعبة والكوب مغلوب .. وأنا لم المسه وأنت لم تلمسه أيض
ا .. وهذا يعني أن هناك من قلبه !! ..
الا يمكن أن يكون احدنا قد قلبه وهو شارد الذهن ؟.
قلت بصوت مرتجف :
لم يفعل أحدا منا ذلك .. أؤكد لك .. إنني خـ .. !!
لم أكمل الكلمة .. كنت أريد أن أقول له إنني خائف .. لكني أثرت الصمت
.. فهذا الأحمق لن يفعل سوى انه سيخاف أكثر مني .. لذا فضلت أن انهي المكالمة
.. قلت له بأنني سأكون على مايرام وان عليه أن يأتي غدا ليأخذ لعبته ..
حاولت أن اقنع نفسي بان احدنا قد قام بقلب الكوب وهو شارد الذهن ..
مع إنني رأيت الكوب قبل أن نتناول العشاء في وضعه المقلوب كما تركناه .
ثم مللت من تعقيد الأمر حتى إنني صحت في نفسي بحنق :
كف عن هذا الجبن يا خالد .. الأمر لا يستحق كل هذا لقد رأيت الكوب مقلوب
فلنقل إنني اصطدمت به دون قصد .. فلنقل إنني أحمق .. فلنقل أي شيء ..
فجلست بحجرتي قلقا متوترا بعض الوقت بفعل تأثير اللعبة ..
التقطت إحدى الكتب وقمت بتشغيل التلفاز .. احتاج إلى صوت بشري ..
وبالفعل بدأ القلق والخوف يزولان شيئا فشيئا ونسيت كل ما يتعلق بتلك اللعبة السخيفة ..
فلست أنا أول من يلعبها .. ولا اعتقد أن الأرواح والأشباح والشياطين ستترك العالم
وتأتي إلي .
اندمجت بالقراءة كما افعل دائما قبل النوم إلى أن شعرت بان جفوني قد ثقلت ..
فقمت بإطفاء النور وجهاز التلفاز وانرت مصباح النوم الصغير لأنام بعدها ملء جفوني .
برووووووووم !! .. صوت هزيم الرعد القوي أيقظني مرتين تقريبا لأسمع بعدها صوت الأمطار
الغزيرة في الخارج .. إلا إنني كنت أعود إلى النوم شاعرا بالأمان والدفء
تحت أغطيتي الثقيلة بعيدا عن البرد والأمطار وكل هذا الزمهرير ..
وفي المرة الثالثة لسماعي لصوت الرعد المدوي .. صحوت مفزوعا ..
لأرى الظلام .. الظلام فقط !! .. وأدركت أن التيار الكهربائي قد انقطع .. فحتى إضاءة الصالة التي كنت أراها من تحت الباب كانت مطفئة ... لا أحب الظلام ..
لا أحبة إطلاقا !! ..
حاولت أن أنام مرة أخرى وأنا مندس تماما تحت الأغطية الثقيلة ..
وبالفعل أصبحت قريبا جدا من النوم .. أو كما يقولون بين النوم واليقظة ..
الأرض غافية ملتفة في الظلام .. وصوت محرك الساعة الرتيب .. اشعر وكأنني
الوحيد المتيقظ في هذا العالم .. النجوم .. وأنا ... و ..ماذا هل أنا احلم ؟!
.. لا هذا ليس بحلم .. لقد أيقظني شيء ما .. لم تكن الأمطار أو هزيم الرعد هذه المرة
.. بل هو ذلك الصوت الغريب .. في البداية استغرق الأمر دقيقة كي افهم أين أنا
.. ومن أنا .. وماذا افعل بالفراش .. لا ادري كم من الوقت قضيته راقد في الفراش
مذهولا من ذلك الصوت .. كان هناك شيء يصطدم في الباب بإصرار مريب !!
... ليس بقوة ولكن بإصرار كأنك حبست قطة خارج غرفتك .. هرعت حافي القدمين
إلى باب الغرفة لأرهف السمع .. لص ؟! .. لاشك انه لص شعرت بتوتر ورعب
.. هرعت بهدوء شديد خلفه الخوف إلى الهاتف الموجود بغرفتي للاتصال على الشرطة .. وضغط على الرقم 777 ولكن لم يجب احد وكما هو معتاد وأقفلت السماعة وتوتري قد بلغ مبلغا .. وحمدت الله ألف مرة بأنني اعتدت منذ فترة طويلة على أن اقفل باب حجرتي عندما أكون داخلها .. ألا أن هذا لم يطمئنني تماما ..
فالشخص الذي في الخارج لم يحاول اقتحام الباب .. بل ذلك الاصطدام الخافت
المخيف بالباب وكأنه لا يريد شيئا سوى إيقاظي فحسب !! .. ولكن بعد حوالي دقيقتين
توقف ذلك الصوت تماما وحاولت الاتصال بالشرطة بعدها أكثر من مرة ..
ولكن لارد هناك .. طبعا لكم أن تتخيلوا كيف قضيت هذه الليلة ... كانت خيوط الفجر تتسرب عبر الستائر وكان النوم قد خاصمني تماما ..
وفجأة .. عاد نور مصباح النوم مرة أخرى .. وأصبحت أرى الخط الضوئي الرفيع يمر من تحت باب غرفتي .. عندها عرفت أن التيار الكهربائي قد عاد .. وقد أزال هذا الكثير من خوفي .. الا أن هذا لم يمنعني من معاودة الاتصال بالشرطة مرة أخرى .
وأخيرا ..
الو ..
مرحبا اسمي ( خالد ... ) وعنواني هو ( ..... ) اعتقد أن احدهم اقتحم منزلنا قبل قليل ..
سألني الشرطي :
وهل هو موجود ألان ؟!
لا يبدو انه موجود في هذه اللحظة .
وذكرت له ما كان يحدث عند باب حجرتي خاصة بعد انقطاع التيار الكهربائي و ..
لحظة يا أخ .. ولكن التيار الكهربائي لم ينقطع إطلاقا بالساعات الماضية في
أي مكان بالمنطقة ولا حتى في حيكم و لا لعلمنا بذلك .. يظهر انك كنت تحلم !! .
هذا غريب تخاذل صوتي حتى إنني لم أجد ما أقوله
فأقفلت السماعة وأنا أفكر .. خرجت إلى الصالة متوجسا .. كل شيء بمكانه وقد يكون عطلا كهربائي نزلت إلى الدور الأرضي ولكن كل شيئا يبدو طبيعيا


قشعريرة ( 4 )

ما الذي يحدث هنا ؟!
قلتها بصوت مسموع .. فقد بدا لي انقطاع التيار الكهربائي بهذه الصورة
امراه غريب بالفعل !!
كانت الساعة قد تجاوزت الرابعة والنصف فجرا بقليل ..
حاولت أن أنام لكني لم استطع إطلاقا !!
وقد زارني سعد بعد الظهر ليأخذ لعبته .. ولم انس أن اكذب عليه كذبتي الصغيرة
.. فقد أخبرته إنني لم استطيع قضاء أي وقت معه في الأيام القادمة لارتباطي
ببعض الالتزامات العائلية التي ظهرت على السطح فجأة .. كنت مضطرا للكذب
.. لقد اشتقت كثيرا للوحدة .. ولا أريد صديقا لحوحا يتصل بي يوميا .
سارت الأمور بعدها بشكل عادي .. إلى أن بدأت أخيرا اشعر بالنعاس
في العاشرة والنصف مساء .. فانا لم أذق طعم النوم منذ استيقاظي المبكر جدا
.. حيث أصابني ارق شديد بعد الصوت الذي سمعته قرب باب غرفتي ..
ذهبت إلى الفراش وغبت عن الكون .. و.. كيف عرفتم أن هذا سيحدث ؟! ..
استيقظت بعد اقل من ساعتين لأجد التيار الكهربائي مقطوعا مرة أخرى !! ..
لا يمكن أن تتكرر الصدفة بهذه الصورة .. والمصيبة إن الذي أيقظني
هذه المرة ذلك الصوت نفسه الذي يوحي وكأن احد يصطدم بالباب
بإصرار هادئ مريب !!
لا ادري لماذا شعرت هذه المرة بان الأمر يتجاوز الماديات ..
العرق بدأ ينحدر على جبيني .. والصراع في داخلي قد بلغ الذروة بلحظات ..
قلبي يخفق كالطبل .. ودمي يفور ..
وهنا قررت أن افعل أحمق شيء قد تتصورونه .. نهضت من فراشي لأرى ذلك أو
( الشيء ) الذي يصطدم بالباب !! لم تكن هذه شجاعة مني كما قد يتصور البعض
.. بل هو فضول .. فضول غبي وما إن اتخذت هذا القرار حتى بدأت اشعر
بيدي وكان وزنها قد ازداد وكأنني عاجز عن رفعها بسبب وزنها الثقيل ..
تحركي يا يدي ولكن صوتا في أعماقي كان يصرخ بي :
لا تفعل .. بالله لا تفعل !! .. حاستي السادسة تصرخ مهيبة أن أتراجع ..
لا تلعب بالنار .. فيجيب صوت العقل برأسي :
ولكن ماذا لو تكرر الأمر غدا وبعد غد ؟! .. يجب أن اعرف مصدر هذا الصوت !!
ولكن .. عندما خرجت من الغرفة لم أجد شيئا إطلاقا !! .. هذا غريب ..
كان هناك نور بسيط في الصالة بسبب الشباك الكبير الذي تسلل
إليه نور مصباح الشارع .. تشجعت قليلا وقررت النزول إلى الطابق الارضيى
لأحضر بعض الشموع إلى غرفتي لإ ناره المكان بدلا من هذا الظلام المخيف ..
فقد نسيت أن افعل هذا في الصباح .
شعور غريب ينتابني بأنني مراقب .. الحذر والتوتر يحرق أطراف أصابعي حرقا ..
ولو أن عصفور غرد لوثبت مترين بالهواء ..
ثم حدث شيئا كاد أن يصيبني بسكتة قلبية .... ففي طريقي إلى الدرج للنزول إلى الدور الأرضي .. لمحت خيالا في صالة المنزل .. فوثبت للوراء – برد فعل غريزي –
لأرى القادم .. صحيح أن الرؤية غير واضحة بفعل الظلام .. لكني استطعت أن أرى ..
لقد كان خيال امرأة !!
هل أنا أخرف بفعل الخوف والظلام !! .. لا أنا لا أخرف ولا أتخيل شيئا ..
إنني أرى امرأة عجوز بيضاء الشعر طويلة مسربلة بثوب اسود طويل
تجوب صالة المنزل بهدوء شديد وبحركة انسيابية رشيقة لا تصدر من عجوز ..
بل لا تصدق من إنسان أصلا !! لا يوجد أي نوع من الانبعاج تحت ثوبها يوحي بحركة القدمين ... وكأنها لا تمشي لكنها تمشي إن فهمتم ما اعنيه !!
لم تكن المرأة تبدو وكأنها انتبهت لوجودي ..
تنحنحت لأبدأ الكلام .. فقد انحشرت الحروف في حلقي ..
قلت بصعوبة وأنا ارتجف وأسناني تصطك :
م .. مـ ... مـ .... ماذا تـ ... تفعلين هنا أيتها المرأة .... !!
لم أكمل عبارتي .. فقد التفتت لي ... ورأيت وجهها !! ..
وكدت أصاب بالشلل من هول ما رأيت .. إذ لم أتخيل قط وجها مريعا كهذا ..
أرجو أن تعفوني من وصف وجهها الذي سيظل يؤرق أحلامي ما حييت !! ..
لقد كان وجها بشعا رهيبا لو وصفته لكم لحرمتم من النوم لفترة طويلة ..
يكفي أن تعلموا انه لم يكن في وجهها ما يمت بصلة لوجوه البشر ..
وقبل أن افهم أنا نفسي ما يحدث .. صرخت وصرخت حتى وثبت عيناي من محجريهما
فالذعر الذي غمرني كان أعمق من أي تعقل .. ثم أطلقت ساقي للريح ..
جريت كما لم اجر في حياتي .. نزلت مسرعا إلى الدور الأرضي وكأن شياطين العالم تطاردني .. الردهة .. الظلام الدامس جعلني اصطدم مئات المرات بأشياء مجهولة ..
اصطدمت ساقي بقطعة أثاث حتى كادت أن تتحطم قصبتها .. وسقطت ... ونهضت وأنا اشهق وقلبي يتواثب كالحصان .... أتعثر مرة أخرى .. وانهض ... وأتعثر .. وتفكيري كله قد تبدد .. هرعت إلى باب المنزل .. يا للهول !!
أن الباب موصد والمفتاح في غرفتي .. لقد أصابني هلع افقدني كل قدرة على التركيز ..
لكن ما جدوى التركيز والتفكير المنطقي في ظرف كهذه ؟! ..
رعب وحشني دفعني أن أهشم قبضتي على الباب تهشيما .. اصرخ واصرخ
. . و .. فقدت الوعي !! .
صحوت بعد فترة بدت لي قصيرة والظمأ يحرق حلقي ..
ومن جديد أدرك إنني هنا بالقرب من باب الخروج وان الرعب يقتلني ..
وليته يقتلني فعليا ليريحني .. كانت واحدة من أشنع لحظات حياتي ..
ولو أن أحدكم يعرف علاج يساعدني على نسيان الذكريات المريرة فليساعدني به.
وقفت مشدوها مصدوما ملتصقا بالباب .. لا ادري ما افعل ..
حتى لو ركلت الباب ركلا وملأت الدنيا صراخا فلا اعتقد أن احد من الجيران سينتبه
.... وبينما كنت غارقا في هذا الجو المرعب وملصقا ظهري بباب الخروج
عاجز عن اتخاذ أي رد فعل .. رأيت شيئا أخر جعلني أصاب بشلل لحظي !!
.. خيال رجل جالس في ركن صالة الدور الأرضي !! .. كان وجهه خارج دائرة الضوء
والواقع أن هذا قد أخافني أكثر بكثير مما لو كنت أراه بوضوح .. لان الخيال مخيف
أكثر من الواقع بمراحل ..هنا اتخذت قراري .. فقد تذكرت بأنني لم أشاهد شيء
في غرفتي .. فلأعد إليها .. بدأت لي أنها أكثر أمنا من أي مكان أخر بالمنزل ..
هرعت راكضا إلى غرفتي وفؤادي لا يكف عن الوثب .. لا يكف عن الخفقان بقوة
لم انتبه إلى وجود المرأة العجوز أو أي احد أخر دخلت إلى غرفتي وقفلت الباب
ودسست نفسي تحت الغطاء وأنا الهث بقوة من هول الموقف وسمعت بعد لحظات قليلة
... صوتا جمد الدم بعروقي .. صراخ طويل شنيع منبعث من الدور الأرضي وكأنه قادم من أعماق الجحيم .. كاد قلبي أن يتوقف عن الخفقان ..
بدأت بقراءة أية الكرسي .. شاعر بخوف لا حدود له من تخيل مجرد تخيل شكل
ذلك الشيء الذي يصرخ .. لا يمكن أن تصدقوا مدى الرعب الذي شعرت به
في هذه الليلة مندسا تحت اللحاف متكورا كهر رضيع ابكي وارتجف بقوة
حتى لساني عجز عن ترديد آية قرآنية لقد كان إيماني ضعيفا للأسف ..
تخيلوا إنني ظللت هكذا لأكثر من ثلاث ساعات قبل أن اشعر بنور الشمس الحبيب
يدخل غرفتي على استحياء .. عندها فقط جرؤت على الخروج من تحت اللحاف
ارتديت ثيابي ولم اسم أي شيء غير عادي ولم انس هذه المرة مفتاح باب المنزل
لأهرع بعدها إلى الخارج حيث الفجر والصحبة الآدمية التي بدت لي وكأنها أروع شيء في الكون .لا ادري أين اذهب شعرت بمرارة لا حدود لها .. هل أنا وحيد إلى هذه الدرجة ؟
.. لا يوجد لي أقارب ولا أصدقاء فأنا دائما ما أكون سمجا قليل الكلام معدوم
الدعابة بطيئا في ردود الأفعال .. مما جعلني جديرا بهذا السجن الانفرادي الذي
اخترته لنفسي .. سأطلب من جدتي حين تعود ألا تتركني أبدا مرة أخرى ..
قشعريرة ( 5 )


رحت أجوب الطرقات دون هدى لا اعرف أين اذهب إلا إنني في النهاية
اعتزمت الذهاب إلى احد المقاهي لتناول الغدا على الأقل ومن ثم الجلوس
والتفكير لما حدث لي في الأمس ..وجلست وطلبت .. كان المقهى عامرا بالزبائن
واغلبهم من الشباب .. جلست لتناول الطعام وذهني مشغول تماما ..
فطلبت من احد عمال المقهى ورقة وقلم لأرتب أفكاري .. يجب أن ارتب أفكاري
كما افعل دائما عندما أكون مشوش الذهن .. ورحت اسطر النقاط التالية :
1- لقد بدأ كل شيء بسبب لوحة ( اويجا ) اللعينة هذه ..
يصعب هنا ألا اربط بينها وبين تلك الأشياء الشنيعة التي ظهرت فالأمر يبدو واضح .
2- مصدر هذه اللعبة مجهول ويظهر أن الذي باعها لـ ( سعد )
كان قد سرقها من مكان ما ولم يعرف قيمتها الحقيقية وان خلاصة الكلام
احدهم استخدمها قديما بواسطة السحر للاتصال بالأرواح أو ما شابه ذلك ..
كما اعرف حق المعرفة إن ( اسكتلندا ) وهي المكان الذي اشترى منه
( سعد ) اللعبة تعج بالقلاع التاريخية التي نسجت
حولها قصص الأشباح حتى إن بعض الساخرين اعتبروا الأشباح اسكتلندية الجنسية !!
.. أن ربط السحر بالأمر أمر وارد جدا ..
3- الأشياء المريعة التي ظهرت لي قد تكون أشباح أو .. جن ..
أو شياطين .. لا اعلم بالضبط .. ولن اعرف الإجابة على هذا السؤال أيضا
4- ما سبب انقطاع التيار الكهربائي ؟؟ .... أيضا لا اعلم ..
إلا إنني عرفت فيما بعد أن الأمر قد يكون مرتبطا بالأشباح الضاجة .
5- بدأت اكره ( سعد ) كثيرا وسأنهي علاقتي معه منذ هذه اللحظة .
6- الأمر الأهم من كل ذلك : يجب إن أجد مكانا أبيت فيه اليوم !!
هل تظنون إنني استطيع المبيت في المنزل بعد كل ما رأيت ؟!
لوكانت جدتي ستعود غدا مثلا لقضيت اليوم كله في الشارع ..
أما عودتها لن تكون قبل أسبوع فما الذي سأفعله طول تلك الفترة ؟!
عند النقطة السادسة بالذات كنت أحاول إن اطمئن نفسي بأنني سأجد مخرجا ...
فالشوارع ترحب بمن هم في مثل سني بعد منتصف الليل ..
ووجدت إن أكثر الحلول منطقية هو إن أبيت في احد الفنادق طوال فترة غياب جدتي ..
وارتحت كثيرا لهذه الفكرة فهي بالفعل حلا ً مناسبا .. إنني امتلك المال الكافي
للمبيت في الفندق أسبوعا كاملا .. كما إنني على وشك إن يغمى علي من شدة الإرهاق
.. فانا لم انم سوى ما يعادل الثلاث ساعات تقريبا في اليومين الماضيين ..
كما إن القلق والتوتر والرعب الذي شهدته قد أنهك كل قواي ..
هرعت مسرعا إلى هاتف المقهى .. وطلبت البدالة
للحصول على رقم احد الفنادق فإعطاني موظف البدالة رقم الهاتف ..
فاتصلت ملهوفا بالفندق
.الو . .
مرحبا .. أود إن استئجار غرفة ..
قال لي موظف الاستقبال بلهجة مهذبة :
نتشرف ياسيدي .. كل ما عليك احظارة هو عقد الزواج وحضور الزوجة .. والخ ..
صعقت لهذا القول .. وقلت بضراعة :
ولكن أنا .. غير متزوج وأريد المبيت وحدي .. وسأدفع أي مبلغ تطلبونه .. أرجوك !! ..
ولكن رده كان واضحا :
عفوا سيدي .. ممنوع منعا باتا استضافة الشباب العزب .. وهذا يسري على جميع فنادق
( الكويت ) ..
أقفلت السماعة بوجهه .. فقد اغرورقت عيناي بالدموع من شدة القهر
ليتني لم التق بـ ( سعد ) .. لقد كانت حياتي هادئة بعيدة عن كل هذه الأهوال
قبل إن التقي بهذا الأبله ..
وجدت نفسي فجأة اتصل برقم ( سعد ) دون إن أجد سببا لذلك ..
وإذا به يجيب ببساطة وبصوت يوحي وكأنه نائم أو مسترخيا :
الوووووه
ولم احتمل إن أجدة بهذا الاسترخاء بينما أنا في هذا الجحيم ..
فانفجر البركان من فمي قاذفا حمما كلاميه :
يا أحمق .. يا أغبى مخلوقات الأرض ..
لقد كان يوم لقاؤنا يوما اسود لم تشرق له شمس والاسوء
منه يوم جعلتك تدخل منزلي أنت ولعبتك اللعينة .. هل تعلم مافعلت .. هل .. ؟
فتلعثم بالكلام وتحدث بارتباك شديد .. ثم شرع يسألني عما جرى
لأنه لا يعرف سبب عصبيتي .. وينصحني بان اهدأ ..
لم أرد عليه .. فقد وجدت إنني أقوم بعمل اخرق لا طائل منه ..
لذا قفلت السماعة في وجهه دون إن أخبرة بشيء ..
عدت لأجلس مرة أخرى في المقهى محاولا إن أظل مستيقظا وعالما إن هذا يكاد
يكون مستحيلا شربت أقداح لاحصر لها من القهوة حتى التهبت معدتي ..
ولكن دون جدوى من يستطيع إن يظل مستيقظا لثلاثة ليال متواصلة .
أحاول إن ابحث عن حلا منطقيا .. في البداية فكرت بالسهر حتى شروق الشمس
لأذهب بعدها إلى البيت لأنام .. ومن ثم استيقظ مساء لأخرج ...
فالأهوال التي رأيتها لم تكن تظهر سوى في المساء ؟!
ولكن المشكلة إنني لا استطيع إن أظل مستيقظا ثلاثة أيام متواصلة
إن هذا مستحيل تماما .. إنني بالكاد استطيع إن افتح عيني ألان
فما بالكم في الانتظار يوما أخر .
جلست أفكر بحل أخر .. النوم بالمقاهي ؟! .. غير مسموح به بالطبع ..
ولو فعلت لأيقظني احد العمال ليخبرني بعدم جواز النوم بالمقهى ..
وبعد ثلاث ساعات من التفكير والتوتر .. اتخذت قرار قد يبدو غريبا ..
فقد قررت العودة إلى المنزل !! ... لايوجد حل أخر لدي ؟! ...
اعرف ما سيصيبني ولكن هل لديكم حلا أخر ؟!
أدركت هنا كم إن مقولة : ( النوم سلطان ) صادقة ..
صادقة إلى حد يثير الغيظ .. فالنوم بالفعل سلطان ينحني له أكثر الناس هيبة وقوة ..
طلبت بالهاتف سيارة أجرة لتوصلني إلى البيت الذي أصبحت اخشاة أكثر من أي شيء
أخر في هذا العالم .. كنت طوال الطريق أتخيل نفسي كالمحكوم علية بالإعدام
الذاهب إلى حبل المشنقة ولكن فليذهب كل هذا إلى الجحيم أريد إن أنام وليحدث ما يحدث
قشعريرة ( 6 )


توقفت سيارة التاكسي أمام البيت فنزلت .. واستدرت لأشاهد بيت الأشباح !! ..
اسم مبتذل سخيف لعشرات القصص والأفلام .. ولكن ما باليد حيلة فهو بالفعل منزل أشباح وأي أشباح !!
مشيت نحو البيت وانا اشعر وكأنني ثابت وهو يقترب مني باستمرار .. إن هذا المنزل مسرح ستؤدي عليه ليلا مسرحية شديدة البشاعة والهول .. ستكون ليلة طويلة حقا .. اعلم إن الأشباح لن تقتلني .. لكنهم يثيرون الرعب وهذا كاف جدا لجعلهم مؤذيين .. إنهم يخالفون نواميس العالم الذي نعرفه وهذا يكفي لجعلي اقشعر خوفا وهذا أسوأ بكثير من الموت يارفاق .. الرعب !!
إنني أفضل إن أموت ألف مرة على إن أرى ما رأيته في الأمس وما سأراه اليوم .. اشعر إن حكم الإعدام قد صدر بحقي ولا أمل لي في استئناف ولا معارضة ولا هرب .. كنت دائما أقول إن الخطر المعنوي اشد إيذاء بكثير من الخطر المادي ..
وقفت لفترة خارج المنزل وساقاي لم تعودان على حملي من السهر المتواصل .. دخلت إلى المنزل وأنا اردد المعوذتين .. ولكن هذا لم يكن كافيا لتزول كل أثار الرعب من نفسي .. ابذل جهدا خارقا للسيطرة على توتري .. إن هذه الأشياء الملعونة لم تظهر لي إلا ليلا .. أما ألان والساعة لم تتجاوز الرابعة عصرا فلا اعتقد إن شيئا سيحدث .. لكن هذا لم يكن كافيا للتخفيف من حدة توتري وخوفي .. شعور مروعا كان يداهمني إنني لست وحيدا بالمنزل .. الحضور القوي الذي لا ينكر لتلك الأشياء التي شاهدتها جعلني التفت يمينا وشمالا وانظر خلفي كل ثانية تقريبا تأكدت إن الباب موصد بإحكام .. تفقدت خزينة الثياب وألقيت نظرة تحت الفراش وأخذت مصحف جدتي الصغير .. ووضعته تحت وسادتي ..
وبرغم مئات الخواطر السوداء القلقة .. غرقت في نوم عميق جدا متوقعا ومتمنيا إلا استيقظ منه قبل حلول نهار الغد .. ولكن هذا لم يحدث مع الأسف !!
فقد استيقظت ليلا ... كم من الوقت نمت ؟! .. لا ادري لكني فتحت عيني لسبب لا اعرفه .. ذلك الحافز الخلفي المجهول الذي يوقظنا حين ينظر شخص بإمعان لوجوهنا ونحن نيام !! .. ولكني لم ارى شيئا حين استيقظت .. فلم يكن هناك سوى الظلام .. الكهرباء كانت مقطوعة لليله الثالثة على التوالي !! . .
اللعنة !! .
قلتها بصوت مسموع مرتفع بدا لي مخيفا فخرست وأنا أعض على شفتي قهرا .. فانقطاع التيار الكهربائي يعني إنني لست وحدي .. احد ( الأشياء ) المريعة التي ظهرت لي بالأمس ستظهر الليلة أيضا . .
ظللت مستيقظا في فراشي وقد عجزت تماما عن العودة إلى النوم .. إن هذه الليلة لن تنتهي أبدا .. قررت النهوض من فراشي لإشعال شمعة .. فذلك الظلام سيصيبني بالجنون .. أخرجت رأسي من تحت الغطاء بهدوء وقلق شديدين لأجلب شمعه من احد أدراج مكتبي .. فقد اتخذت احتياطي هذه المرة وجلبت عددا من الشموع ووضعتها هناك تحسبا لظرف كهذا ..
التفت يمينا وشمالا !! .. عيناي قد اعتادتا الظلام قليلا كوني ظللت مستيقظا في فراشي أكثر من عشر دقائق .. لكن صبرا .. ثمة شيء ما غير مريح . . هناك جسم في زاوية غرفتي بجوار المرآة لم يكن هناك في السابق .. جسم له أبعاد وحدود و . . كاد قلبي إن يتوقف عن الخفقان !!
فعندما دققت النظر وجدت قطة سوداء واقفة على قدميها الخلفيتين في زاوية غرفتي وكأنها تمثال فرعون مقدس .. وفي عينيها ذلك البريق المخيف ... نظرة صامته لعدة ثوان .. وبعدها ضحكت القطة ضحكة بشرية واضحة !! .. واختفت تماما ولم أرها ثانية لحسن الحظ ..
رحت أتواثب قفزا كحيوان الكنغر إلى فراشي وأنا ارتجف رعبا .. لن استطيع إن أعيش هكذا رحت اردد المعوذتين وارتجف .. أسناني تصطك هلعا ودموعي تنهمر بغزارة دون إن ابكي بصوت مسموع فحتى صوتي بدا لي مخيفا .. أنا لا افهم شيئا .. لا افهم حرفا مما يحدث .
أغمض عيناي بقوة وأنا مندس تحت اللحاف لأنني اعرف ما سأراه سيثري كوابيسي ..
يتهددني خطر لا يجدي معه إبلاغ الشرطة ولا امتلك سلاح .. ولا تربية كلب .. ولا تحصين النوافذ .. أليس هذا مريعا ؟!
لقد سمعت اصواتا عديدة في تلك الليلة الملعونة وأنا جالس متكور على نفسي في فراشي لكني لن أخبركم ما هي هذه الأصوات !! .. لأنكم لم تصدقوني أولا .. ولان جزءا منها اختلط بالكوابيس التي كنت أراها حين أغيب عن الوجود .. فلم اعد أميز بين الكابوس والواقع !!
وفي لحظة فقدت قدرتي على الصمود أكثر من ذلك .. سأبيت في الشارع .. أو سأرتكب جريمة حتى أبيت في المخفر ولكني لن أبقى لحظة واحدة في ذلك المنزل الملعون ..
اتخذت قراري .. لقد انتهى العقل .. وجاء وقت الجنون !! .. نهضت من فراشي كالملسوع واندفعت نحو الطابق الأسفل للخروج من المنزل .. وتكرر مشهد الصراخ .. والنهوض .. فالركض والاصطدام بالأثاث .. والصراخ مرة أخرى الصراخ الذي يمكنه إيقاظ الديناصورات المنقرضة التي شبعت موتا منذ ملاين السنين .. فتحت الباب وأنا الهث وابكي .. واصطدمت بشيء ما .. فأجفلت وشرعت أوجه لكمات خرقاء وأنا اصرخ في هستيريا .. فسمعت صوتا مألوفا يبسمل ويهتف بي بجزع :
( خالد ) . . هذا أنا . . جدتك .
عندها ارتميت بأحضانها وأنا ابكي .. انفجرت ببكاء هستيري جدير بالفتيات ..
لحظات لم تنطق بها جدتي بحرف واحد وهي مذهولة من منظري وأنا خارج من البيت وكل علامات الخوف على وجهي .. لكن .. يبدو أنها استمعت أفكارها .. حيث سألتني بقلق شديد :
( خالد ) .. ما الذي يجري يا بني ؟؟
لم استطع إن أرد .. لا ادري لماذا عادت قبل موعدها بأسبوع لكني سعيد جدا بذلك .. قبلت يدها الحبيبة وأنا ابكي بحرارة ..
تكلم يا ( خالد ) . . انك تخيفني يا بني ..
قالتها بانفعال وهي على وشك البكاء .. فهي لم ترني بهذا الحال من قبل !! .. ولكني لم اقدر على النطق إلا بعد فترة من البكاء .. وقد انتبهت جدتي بالطبع إلى إن التيار الكهربائي مقطوع .. فقامت بجلب بعض الشموع لتنير المنزل .. عندها فقط استطعت إن أتحدث .. قلت لها كل شيء لكني تجاوزت الحديث عن لوحة ( اويجا ) .. ويكفيها إن تعلم إن البيت مسكون بالجن والشياطين .
رحت أتوسل إليها إن نبيع البيت :
ما الذي يدعونا إن نعيش في بيت كهذا يا أمي انه كبير جدا وقديم .. اعلم انك تحبينه كثيرا ولكن لا بد من التغير .. خاصة بعد ما شاهدت .
أنا لا أمانع بيع المنزل يا ولدي .. ولكن لا ادري .. لقد كنا نعيش فيه فحسب ولم أفكر ببيعه .
استجمعت أنفاسي وقلت لها بلهفة :
هناك الكثير من المكاتب العقارية التي ستعرض البيت للبيع وأنا واثق إننا سنجد من يشتريه .
صمتت قليلا ثم قالت :
سأترك الأمر لك يا بني . . لتفعل ما تريد ..
وكان هذا الرد يكفيني ... يكفيني تماما ..
لقد عرفت من جدتي بعدها إنها عادت قبل موعدها المحدد لأنها اتصلت أكثر من مرة لتطمئن علي .. وكنت لا أرد على الهاتف أو الاتصال بجدتي على الأقل لأطمئنها .. الأمر الذي أشعرها بقلق شديد وجعلها تعود في أسرع وقت لتطمئن وقد استقلت سيارة أجرة من المطار إلى المنزل الم أخبركم إنها امرأة باسلة رائعة ؟! ..
ولم يفتها بالطبع سماع الأصوات الغريبة في المنزل في الأيام القليلة التي تلت عودتها من السفر ..ولكنها أثارت إعجابي بشدة .. كانت تذكر الله وتقرأ بعض الآيات القرآنية بثبات وشجاعة تحسد عليهما .. أطال الله في عمرها .
لقد حصل كل شيء بسرعة لا تصدق .. ففي اقل من أسبوعين كانت صفقة بيع البيت قد تمت ..قمنا ببيعه بمبلغ لا بأس به إطلاقا .. ففي الكويت تباع المنازل حتى وان كانت متهالكة بمبالغ هائلة .. وقد كانت سعادتي لاتوصف لأننا سنبتعد عن تلك الأهوال التي شاهدتها وكادت إن تصيبني بسكتة قلبية أكثر من مرة .. ولا أنسى إن أقول لكم إنني قضيت الأسبوعين الأخيرين في غرفة جدتي .. ولكن شيئا لم يحدث .. سوى بعض الأصوات المخيفة الغامضة التي كانت تجيبها أصوات أخرى أكثر غموضا ... ولا ننسى الستائر التي كانت تتموج ليلا وكأن هناك من يختفي ورائها .. ولا حاجة لي بالطبع إن اكشف عن الستارة لأعرف ماذا يوجد خلفها ..
فقد شاهدت ما يكفي ..
قمنا ببيع البيت كما ذكرت سالفا وسكنا بعدها بشقة راقية .. المنطقة ؟ .. ( الرميثية ) طبعا .. فـ ( الرميثية ) هي جزء من روحي كما أخبرتكم في المقدمة ..
لا أنسى إن أخبركم إنني عرفت فيما بعد إن البيت قد نجح بطرد ثلاث اسر ظنت أنها لا تعبأ بكل هذا الهراء !!
كنت أظن إن الأزمة التي مررت بها ستنتهي .. لكني كنت واهما .. كنت واهما إلى أقصى حد .
فالقصة الفعلية ( وأرجو إلا يثير هذا غيظكم ) .. لم تبدأ بعد !!

قشعريرة ( 7 )

لقد قضينا بضعة أيام ونحن نجمع أشياءنا من المنزل محاولين الخروج في أسرع وقت ممكن وكنت اذهب إلى المدرسة بعد إن انتهت العطلة منهيا فروضي بسرعة .. وبعدها ابدأ بجمع أغراضي الخاصة بحماس شديد .. كما إنني كنت أقوم بمساعدة جدتي لتوضيب كل أغراضها من غرفتها ووضعها في صندوق تمهيدا لنقلها وذلك حتى نخرج من البيت بأسرع وقت ..
وفي هذه الإثناء .. وجدت خزانة حديدية صغيرة الحجم شبيهة بالخزانات الحديدية الصغيرة التي نراها في السينما .. لم انتبه قط إلى وجودها من قبل !! .. فقد كانت موجودة في دولاب جدتي الذي لا أفتحة أبدا بطبيعة الحال ..
سألت جدتي بدهشة :
منذ متى وأنتي تملكين هذه الخزنة الصغيرة يا أمي ؟!
إنها قديمة جدا يا ولدي .. لقد اشتراها جدك في فترة الستينيات ووضعها بالغرفة .. كان يحفظ فيها أوراقنا الرسمية وبعض المصوغات .
وما الذي تحويه ألان ؟!
قالت دون اهتمام :
لا ادري .. إنني لم افتحها منذ عشرون عاما .. لقد كان والدك يستخدمها بعد وفاة جدك رحمهما الله .. ولم يستعملها احد بعده ..
أثار هذا الشيء استغرابي فسألت جدتي بلاإهتمام :
ولكن .. الم يثير هذا فضولك يا أمي ؟
في الواقع .. لا .. فلا اعتقد إنها تحوي شيئا هاما .. كما إنني لا اعلم أين مفتاحها أصلا ..
هل تمانعين لوقمت بفتحها أو كسرها يا أمي ؟
بالطبع يا بني .. افعل ما يحلو لك .
وهكذا قمت بكسر الخزينة بعد جهد جهيد .. فتحتها ملهوفا لأرى ما فيها !! ...
أوراق كثيرة .. سندات وشروط جزائية وعقود .. الخ .. كلها قديمة جدا تعود إلى ما قبل ولادتي .. أي عمرها أكثر من 17 عاما .. كما وجدت النقود الكويتية القديمة التي قبل الاجتياح الصدامي الغاشم على ( الكويت ) .. تحتاج هذه الأوراق إلى مزاج لقراءتها رائق وسأفعل ذلك لاحقا بعد الانتقال إلى السكن الجديد ..
وبعد يومين انتهينا من كل شيء .. وخرجنا من المنزل المشئوم الذي كان وداعنا له متباين المشاعر .. فجدتي الحبيبة لم تنس سنوات عمرها الطويلة التي قضتها هنا .. إما أنا .. فانتم تستطيعون تخمين مشاعري جيدا بعد الأهوال التي رأيتها ...
شقتنا الجديدة فقد كانت عمارة راقية حديثة البناء تبعد عنك فكرة الجن والأشباح .. وقد احتاج منا الأمر أسبوعا كاملا لنتأقلم مع السكن الجديد بعد إن قمنا بإيصال خط الهاتف وكابل التلفزيون مع باقي الخدمات الأخرى . . و . . فرغت تمام من كل المسؤوليات حتى جاء يوم ( الخميس ) وهو من الأيام السعيدة والمفضلة لدي ولدى الكثيرين ففي هذا اليوم لا أعمال ولا دراسة .. ولا فروض منزلية .. ولا أي شيء من أي نوع .
من جهاز التسجيل ينبعث صوت موسيقي هادئة جدا ... وذلك المذاق الحزين للهواء المغسول الذي يدخل عبر شرفة غرفتي ويشتهر بع فصل الشتاء .. شعرت إن الوقت مناسبا والمزاج رائق للاطلاع على الأوراق التي وجدتها في الخزنة الحديدية .. وهذا ما حدث بالفعل فقد أخرجت كل الأوراق والمستندات القديمة التي تعود عمرها إلى ما قبل ولادتي كما ذكرت لكم .. أريد إن اعرف ما تحويه بالضبط بدافع الفضول لا أكثر .. وليتني لم افعل !!
فقد أثارت هذه الأوراق في نفسي حزنا شديدا جدا مع مرارة غصة في الحلق لماس ومصائب لم أعيشها لحسن الحظ .. لكنها أثرت على حياتي بشكل كبير !! ..
هنا يجب إن أعود بكم إلى الوراء .. إلى الماضي .. لاكتشف أسرار حياتي العائلية التي كنت أحاول إن أتجنب الحديث عنها قدر المستطاع .. ولكن لا بد من ذلك حتى تعيشون معي أجواء القصة !! ..
لقد كان والدي إنسانا عاديا جدا إلا انه مقطوع من شجرة فلم يكن له في هذه الدنيا سوى والدته التي هي جدتي .. وكان موظفا عاديا في احد الدوائر الحكومية .. ودون إن اعرف أي تفاصيل أخرى ... وقع في حب امرأة من عائلة ثرية جدا ومعروفة في ( الكويت ) .. هذه المرأة هي أمي وبادلته أمي الحب .. إلا إن المشكلة التي تواجههما هي المشكلة الأزلية في الكويت ودول الخليج عموما : عدم التكافؤ لأسباب قبلية أو اجتماعية أو مالية .. الخ .. فهناك تقسيمات كثيرة جدا بين المواطنين على الرغم من إن عدد سكان ( الكويت ) لم يتجاوز المليون حتى ألان .. وبالنسبة لوالدي فقد كان عدم التكافؤ واضحا جدا بينهما وكانت أسرة والدتي ترى في أبي شخصا استقلاليا يريد الوصول إلى طموحة من خلال الزواج من امرأة ثرية .. بينما كان أبي يحاول جاهدا إقناعهم بحبة لامي وانه لا يهتم لثروتها .. أما أمي فقد قاتلت أهلها بشراسة واستماتة من اجل حبيبها .. حتى أنهم لم يملكوا بعدها سوى الموافقة وان كانوا لم يبتلعوا الفكرة ..
وتزوج الحبيبين .. انتم تعرفون كيف تحدث هذه الأمور يسمونه ( النصيب )
اتمنا ان القصه اعجبتكم

شكرا لك ولمرورك