ما أعظمك سيدتي

ما أعظمك سيدتي


كنت قد سقطت على الأرض وأنا أرافق والدتي بينما كنت أمسك بيدها، ساعدتني على الوقوف ساعتها ونفضت التراب من على قميصي و سروالي وهي تقبلني وتمسح دموعي وتهمس في أذني: ما عليك يا ابني حينما ستكبر سوف تنسى.... تابعنا السير وهي تحدثني وكأنها تحاول أن تشغل بالي و تمنعني من التفكير فيما كان قد حصل لي. كبرت ومع كل يوم جديد كنت أكبر وبعد كل سقطة كنت أتذكر ما همست لي به أمي : حينما ستكبر سوف تنسى.... ، توالت الأيام وفوق دروب الحياة تعددت سقطاتي ومع كل  سقطة كنت أبكي و أتحسر ليس لأنني سقطت ولكن لأنها ليست معي وبجانبي تنفض التراب عني وتواسيني ، ولقد جئت اليوم لأقول لها :
ما أعظمك سيدتي ، كم أحب شخصيتك وكم أحترم فلسفتك، جئت اليوم لأعترف لك أنني فعلا نسيت كل سقطة حينما كنت أمسك بيدك ولكني عجزت أن أنسى السقطات التي توالت حينما فارقتك.
عفوا حبيبتي كبرت ولم أنسى
أجلس في نفس المكان بجانب كرسيك الفاضي ، قلمي في يدي كأنه من دون حبر قلم فاض مثل كرسيك الفاضي، و ورقي أمامي لم أستطع كتابة ولو حرف واحد عليه ورق ظل فاض مثل كرسيك الفاضي، حاولت وأعدت المحاولة فادا بفكري فاض تماما ككرسيك الفاضي، طرقت باب الالهام مرات ومرات دون جدوى حيث يبدو أنه مقفول حينها تأكدت أن المفتاح معك و أن الالهام رحل برحليك.
جلست أتأمل كرسيك الفاضي الذي لا يلهمي، وأحاكيه بنظراتي بل بدمعاتي، وفجأة خيل لي أنك جالسة أمامي بباتسامتك المعتادة تبادلينني النظرات وتمسحين دمعي وتطلبين مني الجلوس على كرسيك الفاضي وبالفعل هجرت مقعدي وجلست على كرسيك الفاضي وفجأة انتفض قلمي ليتمرد على ورقي ويكتب:
كبرت ولم أنساك بالرغم أنك كنت تقولين لي ستكبر وتنسى، كبرت ولم أنساك يا ملهمتي يا والدتي يا أمي، كم اشتقت أن أناديك أمي، كم اشتقت أن أشم عطرك وأقبل يدك وجبينك، كم تمنيت أن أحضنك وأبلل بدمعي صدرك ،كبرت ولم أنسى حنانك وعطفك كبرت ولم أنسى.....
لم أكن أبدا أعلم أن كرسيك الفاضي أخيرا وأنا أجلس عليه سوف يلهمني وسوف يغوص بي في أعماق ذكريات كبرت ولم أنساها.....
شكرا لك ولمرورك