رواية مذكرات فتــاة

 رواية مذكرات فتــاة


خلت الطرقات من المارة في ذلك الوقت المتأخر من الليل بعد أن لزموا بيوتهم اتقاءاَ لموجة البرد القارسة التي اجتاحت البلاد في ذلك الوقت من العام. بدت الشوارع كالمقابر المهجورة التي لا تكاد تسمع فيها حسيسا اللهم الا مواء القطط و نباح بعض الكلاب الضالة التي خرجت من مخابئها بحثا عن بقايا الطعام وسط صناديق القمامة.
وقفت مريم في مكانها حين تناهى الى سمعها صوت خطوات تأتي من خلفها فالتفتت برأسها و شعور بالخوف يداهمها
فلم تقع عيناها على احد و لم يجبها الا الصمت المطبق. 

زفرت زفرة حارة و عادت تنظر الى الطريق المظلم امامها الا من بعض الاضاءة الخافتة القادمة من بعيدلا تدري مصدرها و نور القمر الذي قرر في هذه الليلة المعتمة ان يختبىء وراء السحب المثقلة بالغيوم.
كانت مريم عائدة للتو من الكافتريا التي اضطرت للعمل بها بعد وفاة أبيها منذ ٣ سنوات .تذكر ذلك اليوم كأنه حدث منذ دقائق معدودة. تلقت حينها اتصالا من امها.. انبأها صوتها الملتاع ان هناك كارثة ما حدثت .
"الحقيني يا مريم "
"مالك يا أمى فيه ايه ! "
"أبوكي ... مات "
هكذا و بكل بساطة ، غادر أبوها الى العالم الاخر .
كم هو قاس ذاك الموت .

يدق بابك في اي وقت كيفما شاء دون ادنى استئذان و يطل عليك بوجهه المرعب ليأخذك بعيدا الى مصير تجهله.
حين عادت الى البيت وجدت امها تدفن كفيها بين وجهها و تذرف الدموع. بكت حينها مريم كما لم تبك من قبل.
نظرة واحدة الى أمها الهرمة و اخيها الأصغر "احمد" كانت كافية لتوقن انها اصبحت مسؤولة عن اسرتها الصغيرة الفقيرة.
داهمتها حينها مشاعر متضاربة..لم تكن تدريأتحزن لوفاة أبيها ..ام تغضب منه و تنقم عليه لانه تركها وحيدة تجابه المصير المجهول لتلك الاسرة المكلومة ؟!!

تساقطت دمعة من عيني مريم حين تذكرت كيف كان يقسو عليها احيانا .. لكنها مع ذلك كانت تحبه حبا جما. تدرك ان قسوته تلك كانت تخفي ورائها نهر من الحنان لا ينضب. كان يعتقد انه يحميها حين قرر أن يكون حادا معها . تذكر ذلك اليوم حين تأخرت في العودة من الجامعة فما كان منه الا أن صفعها على وجهها صفعة اهتز معها كيانها. باتت تلك الليلة في حجرتها منزوية على نفسها و عيناها محمرتان من شدة البكاء. لكنها فوجئت به يوقظها من النوم.. نظر لها نظرة حانية ثم ضمها الي صدره و هو يربت على ظهرها. الدفء و الأمان اللذان شعرت بهما و هي مرتمية في حضنه أنساها ما فعله معها و جعلها تدرك بعد ذلك أنها بموته ستفتقد ذلك الشعور ..الى الأبد.
كان فقدها لأبيها يعني فقدان الحائط الذى تستند اليه عند الحاجة و فقدان الحضن الدافىء الذي ترتمي اليه حين تشعر أنها وحيدة.
لكنها بعد ذلك ادركت انها يجب ان تكون صامدة رغم ما يعتريها من مشاعر الضعف و الخوف.
بحثت بعدها عن عمل يمكنها من اعالة اسرتها و مضت ايام طويلة و هي تجوب الشوارع و الميادين .. لكن دون طائل,
حتى دلتها احدي صديقاتها على احدي الكافتريات التي تطلب نادلة للعمل مقابل مبلغ زهيد . وافقت مريم على مضض
رغم انها تملك شهادة جامعية بتقدير جيد و رغم علمها انها ستضطر للعمل حتى ساعات متأخرة من الليل.
لكن كما يقولون "اي شيء افضل من لا شيء", و هل وجدت افضل من ذلك و قالت لا ؟
تقسو عليك الحياة أحيانا و تضطرك لفعل أشياء لا تريدها .. و تجد نفسك أمام أحد أمرين !!

اما ان ترضخ لما تحتمه عليك الحياة و حينها ستكون مسلوب الارادة يقودك القدر حيث يشاء .. و اما أن تقرر الا تسلم للقدر روحك و أن تجابه تلك الظروف متسلحا بعزيمتك و قدرتك على تغييرها و حينها عليك أن تتحمل عواقب اختيارك !!!


شكرا لك ولمرورك